فصل: تفسير الآية رقم (96):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (90):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ} [90].
{وَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً} أي: فيما يأمركم به وينهاكم عنه {إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ} أي: لجاهلون مغبونون، لاستبدالكم ضلالته بهداكم، أو لفوات ما يحصل لكم من بخس الكيل والميزان.

.تفسير الآية رقم (91):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [91].
{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} أي: الزلزلة الشديدة.
قال ابن كثير: أخبر تعالى هنا أنهم أخذتهم الرجفة، كما أرجفوا شعيباً وأصحابه وتوعدوهم بالجلاء، كما أخبر عنهم في سورة هود، فقال: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَة}، والمناسبة هناك- والله أعلم- أنهم لما تهكموا به في قولهم {أَصَلاتُكَ تَأْمُرُك} الآية، فجاءت الصيحة فأسكتتهم.
وقال تعالى في الشعراء: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، وما ذاك إلا لأنهم قالوا له في سياق القصة: {فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِنَ السَّمَاء}، الآية فأخبر أنه أصابهم عذاب يوم الظلة.
وقد اجتمع عليهم ذلك كله، أصابهم عذاب يوم الظلة، وهي سحابة أظلتهم، فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء، ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم، فزهقت الأرواح، وفاضت النفوس، وخمدت الأجسام.
{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي: مدينتهم {جَاثِمِينَ} أي: ساقطين ميتين، لا ينتفعون برؤوس أموالهم ولا بزوائدها.

.تفسير الآية رقم (92):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} [92].
{الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} استئناف لبيان ابتلائهم بشؤم قولهم:
{لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا} وعقوبتهم بمقابلته.
والموصول مبتدأ، وخبره جملة: {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا} أي: استؤصلوا بالمرة، وصاروا كأنهم لما أصابتهم النقمة، لم يقيموا بديارهم التي أرادوا إجلاء الرسول وصحبه منها.
ثم قال تعالى مقابلاً السابق: {الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ} ديناً ودنيا، لا الذين صدقوه واتبعوه كما زعموا.
قال ابن السعود: استئناف آخر لبيان ابتلائهم بعقوبة قولهم الأخير، وإعادة الموصول والصلة كما هي، لزيادة التقرير، والإيذان بأن ما ذكر في حيز الصلة، هو الذي استوجب العقوبتين، أي: الذين كذبوه عليه السلام، عوقبوا بمقالتهم الأخيرة، فصاروا هم الخاسرين، لا المتبعون له، وبهذا القصر اكتفى عن التصريح بإنجائه عليه الصلاة والسلام، كما وقع في سورة هود من قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَه}.
وقال الزمخشري: في هذا الإستئناف والإبتداء وهذا التكرير، مبالغة في رد مقالة الملأ لأشياعهم، تسفيه لرأيهم، واستهزاء بنصحهم لقومهم، واستعظام لما جرى عليهم.
وفي العناية: أن من عادة العرب الإستئناف من غير عطف، في الذم والتوبيح، فيقولون: أخوك الذي نهب مالنا، أخوك الذي هتك سترنا. انتهى.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (93):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [93].
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} أي: أعرض عن شفاعتهم والحزن عليهم {وَقَالَ} أي: في الإعتذار {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي} أي: بالأمر والنهي {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} أي: حذرتكم من عذاب الله، ودعوتكم إلى التوبة والإيمان بما يفيد ربح الدارين، ويمنعكم خسرانهما، لكنكم كفرتم {فَكَيْفَ آسَى} أي: أحزن حزناً شديدًا، {عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} أي: بالله إن هلكوا، فضلاً عن أن أشتغل بشفاعتهم، يعني أنه لا يأسى عليهم، لأنهم ليسوا أحقاء بالأسى.
تنبيه:
قال الجشمي: من أحكام الآية أنها تدل على أن قوم شعيب أهلكوا بعذاب الإستئصال لما لم يقبلوا نصيحة نبيهم، فتدل على وجوب قبول النصيحة في الدين.
وتدل على أنه لا يجوز الحزن على هلاك الكفرة والظلمة، بل يجب أن يحمد الله ويشكر، كما قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
لطيفة:
ذكروا أن شعيباً، عليه السلام، يقال له خطيب الأنبياء لفصاحة عبارته، وجزالة موعظته، وأصله ما أخرجه ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شعيباً يقول: «ذاك خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته قومه».
والمراجعة مفاعلة من الرجوع، وهي مجاز عن المحاورة. يقال: راجعه القول، وإنما عنى النبي صلى الله عليه وسلم ما ذكر في هذه السورة، كما يعلم بالتأمل فيه. كذا في العناية.
ثم أشار تعالى إلى أحوال سائر الأمم مع أنبيائهم إجمالاً، إثر بيان الأمم المذكورة تفصيلاً فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (94):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} [94].
{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ} أي: كذبه أهلها {إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا} أي: قبل الإهلاك الكلي {بِالْبَأْسَاء} أي: شدة الفقر {وَالضَّرَّاء} أي: المرض، لاستكبارهم عن اتباع نبيهم، وتعززهم عليه {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ} ليتضرعوا ويتذللوا، ويحطّوا أردية الكبر والعزة، فيؤمنوا.

.تفسير الآية رقم (95):

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [95].
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} أي: أعطيناهم- بدل ما كانوا فيه من البلاء كالشدة والمرض- السعةَ والصحةَ: {حَتَّى عَفَواْ} أي: كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، من قولهم: عفا النبات، وعفا الشحم والوبر، إذا كثرت، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «وأعفوا اللحى».
{وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء} يعني وأبطرتهم النعمة وأشروا، فقالوا كفراناً لها: هذه عادة الدهر، يعاقب في الناس بين الضراء والسراء، وقد مس آباءنا نحو ذلك فصبروا على دينهم، فنحن مثلهم، نقتدي بهم، وما هو بابتلاء من الله لعباده، تصديقاً لوعد الرسل، فازدادوا كفراً بعد الإعلام القوليّ والفعليّ.
والمعنى: أن الله تعالى ابتلاهم بالسيئة لينيبوا إليه، فما فعلوا، ثم بالحسنة ليشكروا، فما فعلوا، وإذا لم ينجع فيهم هذا ولا ذاك، فلم يبق إلا أن يأخذهم بالعذاب، وقد فعل، كما قال سبحانه: {فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} أي: فأخذناهم أشد الأخذ وأفظعه، وهو أخذهم فجأة، من غير شعور منهم، ولا خطور شيء من المكارة ببالهم، كقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} الآية، وفي الحديث: «موت الفجأة راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر». رواه الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة مرفوعاً.
تنبيه:
اعتقاد أن مناوبة الضراء والسراء عادة الدهر، من غير أن يكون هناك داعية تؤدي إليهما، ولا حكمة فيهما، هو من اعتقاد الكافرين.
قال ابن كثير: المؤمن من يتفطن لما ابتلاه الله به من الضراء والسراء، فيشكر الله على السراء، ويصبر على الضراء. ولهذا جاء في الحديث: «لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يخرج نقيّاً من ذنوبه والمنافق مَثَله كمثل الحمار لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيما أرسلوه» أو كما قال.
وفي الصحيحين: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».

.تفسير الآية رقم (96):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [96].
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى} أي: القرى المهلكة {آمَنُواْ} أي: بالله ورسلهم {وَاتَّقَواْ} أي: الكفر والمعاصي {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ} أي: لوسعنا عليهم الخير، ويسرناه لهم من كل جانب، مكان ما أصابهم من فنون العقوبات، التي بعضها من السماء، وبعضها من الأرض. ففتحنا: استعارة تبعية، لأنه شبه تيسير البركات عليهم بفتح الأبواب في سهولة التناول، أو مجاز مرسل فيلازمه، وهو التيسير، أو أريد ببركات السماء: المطر، وبركات الأرض: النبات والثمار {وَلَكِن كَذَّبُواْ} أي: الرسل {فَأَخَذْنَاهُم} أي: عاقبناهم: {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الكفر والمعاصي.
تنبيه:
أفادت الآية قلة إيمان أهل القرى الذين أرسل فيهم الرسل، كقوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} أي: ما آمنت قرية بتمامها إلا قوم يونس، فإنهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا من العذاب، كما قال تعالى عنهم: {فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِين}.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (97):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائمُونَ} [97].
{أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى} أي: القرى المذكورة: {أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا} أي: عذابنا ونكالنا {بَيَاتاً} أي: ليلاً، أي: وقت بيات: {وَهُمْ نَائمُونَ} أي: حال كمال الغفلة.

.تفسير الآية رقم (98):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [98].
{أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ} أي: يخوضون في الباطل ويلهون من فرط الغفلة.

.تفسير الآية رقم (99):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [99].
{أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ} وهو أخذه العبد من حيث لا يحتسب {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} أي: لا يأمن أحدٌ أخذَه تعالى العبدَ من حيث لا يشعر، مع كثرة ما رأى من أخذه العباد من حيث لا يحتسبون، إلا القوم الذي خسروا عقولهم، وأضاعوا فطرة الله التي فطر الناس عليها، الاستعداد القريب المستفاد من النظر في الآيات، فصاروا خاسرين إنسانيتهم، بل أخس من البهائم، وفي وقوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ} تكرير للنكير في قوله: {أفأمِنَ أهْلُ الْقرُى} لزيادة التقرير.
قال الزمخشري: فعلى العاقل أن يكون في خوف من مكر الله، كالمحارب الذي يخاف من عدوه الكمين، البيات، والغيلة. وعن الربيع بن خُثيم أن ابنته قالت: ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ فقال: يا بنتاه إن أباك يخاف البيات. أراد قوله: {أن يأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً}. انتهى.
وقال الحسن البصري: المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل خائف، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن.
تنبيه:
الأمن من مكر الله كبيرة عند الشافعية، وهو الإسترسال في المعاصي، اتكالاً على عفو الله- كما في جمع الجوامع-.
وقال الحنفية: إنه كفر كاليأس، لقوله تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.
واستدل الشافعية بحديث ابن مسعود رضي الله عنهما، أنه صلى الله عليه وسلم سئل: «ما الكبائر؟ فقال: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والأمن من مكر الله». قال بعضهم: والأشبه أن يكون موقوفاً.
قال ابن حجر: وبكونه أكبر الكبائر، صرح ابن مسعود: كما رواه عنه عبد الرزاق والطبراني.
قال الكمال بن أبي شريف: عطفهما- يعني الإياس والأمن- في الحديث على الإشراك بالله، المحمول على مطلق الكفر، ظاهر في أنهما غير الكفر.
وقال أيضاً: مراد الشافعية بكونه كبيرة، أن من غلب عليه الرجاء غلبة دخل بها في حد الأمن من المكر، كمن استبعد العفو عن ذنوبه لعظمها استبعاداً دخل به في حد اليائس. وأما من كان أمنه لاعتقاد أن لا مكر، كمن كان يأسه لإنكار سعة الرحمة ذنوبه، فينبغي أن يكون كل منها كافراً عند الشافعية أيضاً، ويحمل عليه نص القرآن. انتهى.

.تفسير الآية رقم (100):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} [100].
{أَوَلَمْ يَهْدِ}: أي: يتبين {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا} أي: المأخوذين.
{أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ} أي: كما أصبنا من قبلهم فأهلكنا الوارثين كما أهلكنا الموروثين {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} أي: نختم عليها فلا يقبلون موعظة ولا إيماناً.
قال أبو البقاء: يقرأ {يهد} بالياء، وفاعله {أن لو نشاء} و{أن} مخففة من الثقلية، أي: أو لم يبين لهم علمهم بمشيئتنا.
ويقرأ بالنون و{أن لو نشاء} مفعوله.
وقيل: فاعل {يهدي} ضمير اسم الله تعالى. انتهى.
ويؤيده قراءة النون، وجوز أن يكون ضميراً عائداً على ما يفهم مما قبله، أي: أولم يهد ما جرى للأمم السابقة، وتعدية يهد باللام، لأنه بمعنى يبين إما بطريق المجاز، أو التضمين.
قال الشهاب: وإنما جعل بمعنى يبين، وإن كان هدى يتعدى بنفسه، وباللام وبإلى، لأن ذلك في المفعول الثاني لا في الأول، كما هنا، فهذا استعمال آخر.
وقيل: لك أن تحمل اللام على الزيادة، كما: {رَدِفَ لَكُم}. والمراد بالذين، أهل مكة ومن حلوها، كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما انتهى.
وقوله تعالى: